الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*2*كِتَاب الطِّبِّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الشرح: قوله: (بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب الطب) كذا لهم، إلا النسفي فترجم " كتاب الطب " أول كفارة المرض ولم يفرد كتاب الطب، وزاد في نسخة الصغاني " والأدوية". والطب بكسر المهملة وحكى ابن السيد تثليثها. والطبيب هو الحاذق بالطب، ويقال له أيضا طب بالفتح والكسر ومستطب وامرأة طب بالفتح، يقال استطب تعانى الطب واستطب استوصفه، ونقل أهل اللغة أن الطب بالكسر يقال بالاشتراك للمداوى وللتداوي وللداء أيضا فهو من الأضداد، ويقال أيضا للرفق والسحر، ويقال للشهوة ولطرائق ترى في شعاع الشمس وللحذق بالشيء، والطبيب الحاذق في كل شيء، وخص به المعالج عرفا، والجمع في القلة أطبة وفي الكثرة أطباء. والطب نوعان: طب جسد وهو المراد هنا، وطب قلب ومعالجته خاصة بما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام عن ربه سبحانه وتعالى. وأما طب الجسد فمنه ما جاء في المنقول عنه صلى الله عليه وسلم ومنه ما جاء عن غيره، وغالبه راجع إلى التجربة. ثم هو نوعان: نوع لا يحتاج إلى فكر ونظر بل فطر الله على معرفته الحيوانات، مثل ما يدفع الجوع والعطش. ونوع يحتاج إلى الفكر والنظر كدفع ما يحدث في البدن مما يخرجه عن الاعتدال، وهو إما إلى حرارة أو برودة، وكل منهما إما إلى رطوبة، أو يبوسة، أو إلى ما يتركب منهما. وغالب ما يقاوم الواحد منهما بضده، والدفع قد يقع من خارج البدن وقد يقع من داخله وهو أعسرهما. والطريق إلى معرفته بتحقق السبب والعلامة، فالطبيب الحاذق هو الذي يسعى في تفريق ما يضر بالبدن جمعه أو عكسه، وفي تنقيص ما يضر بالبدن زيادته أو عكسه، ومدار ذلك على ثلاثة أشياء: حفظ الصحة، والاحتماء عن المؤذي، واستفراغ المادة الفاسدة. وقد أشير إلى الثلاثة في القرآن: فالأول من قوله تعالى (فمن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) وذلك أن السفر مظنة النصب وهو من مغيرات الصحة، فإذا وقع فيه الصيام ازداد فأبيح الفطر إبقاء على الجسد. وكذا القول في المرض الثاني وهو الحمية من قوله تعالى: والثالث من قوله تعالى: وأخرج مالك في " الموطأ " عن زيد بن أسلم مرسلا " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجلين: أيكما أطب؟ قالا: يا رسول الله وفي الطب خير؟ قال: أنزل الداء الذي أنزل الدواء". *3* الشرح: قوله: (باب ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء) كذا للإسماعيلي وابن بطال ومن تبعه، ولم أر لفظ " باب " من نسخ الصحيح إلا للنسفي. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً الشرح: قوله (أبو أحمد الزبيري) هو محمد بن عبد الله بن الزبير الأسدي، نسب لجده وهو أسد من بني أسد بن خزيمة، فقد يلتبس بمن ينسب إلى الزبير بن العوام لكونهم من بني أسد بن عبد العزى، وهذا من فنون علم الحديث وصنفوا فيه الأنساب المتفقة في اللفظ المفترقة في الشخص. وقد وقع عند أبي نعيم في الطب من طريق أبي بكر وعثمان بن أبي شيبة " قالا حدثنا محمد بن عبد الله الأسدي أبو أحمد الزبيري " وعند الإسماعيلي من طريق هارون بن عبد الله الحمال " حدثنا محمد بن عبد الله الزبيري". قوله: (عن أبي هريرة) كذا قال عمر بن سعيد عن عطاء، وخالفه شبيب بن بشر فقال " عن عطاء عن أبي سعيد الخدري " أخرجه الحاكم وأبو نعيم في الطب ورواه طلحة بن عمرو عن عطاء عن ابن عباس، هذه رواية عبد بن حميد عن محمد بن عبيد عنه. وقال معتمر بن سليمان " عن طلحة بن عمرو عن عطاء عن أبي هريرة " أخرجه ابن عاصم في الطب وأبو نعيم، وهذا مما يترجح به رواية عمر بن سعيد. قوله: (ما أنزل الله داء) وقع في رواية الإسماعيلي " من داء " و " من " زائدة، ويحتمل أن يكون مفعول " أنزل " محذوفا فلا تكون من زائدة بل لبيان المحذوف، ولا يخفى تكلفه. قوله: (إلا أنزل له شفاء) في رواية طلحة بن عمرو من الزيادة في أول الحديث " يا أيها الناس تداووا " ووقع في رواية طارق بن شهاب عن ابن مسعود رفعه " إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء فتداووا " وأخرجه النسائي وصححه ابن حبان والحاكم، ونحوه للطحاوي وأبي نعيم من حديث ابن عباس، ولأحمد عن أنس " إن الله حيث خلق الداء خلق الدواء، فتداووا " وفي حديث أسامة بن شريك " تداووا يا عباد الله، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء، إلا داء واحدا الهرم " أخرجه أحمد والبخاري في " الأدب المفرد " والأربعة وصححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم، وفي لفظ " إلا السام " بمهملة مخففة يعني الموت. ووقع في رواية أبي عبد الرحمن السلمي عن ابن مسعود نحو حديث الباب في آخره " علمه من علمه وجهله من جهله " أخرجه النسائي وابن ماجه وصححه ابن حبان والحاكم. ولمسلم عن جابر رفعه " لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله تعالى " ولأبي داود من حديث أبي الدرداء رفعه " إن الله جعل لكل داء دواء فتداووا، ولا تداووا بحرام " وفي مجموع هذه الألفاظ ما يعرف منه المراد بالإنزال في حديث الباب وهو إنزال علم ذلك على لسان الملك للنبي صلى الله عليه وسلم مثلا، أو عبر بالإنزال عن التقدير. وفيها التقييد بالحلال فلا يجوز التداوي بالحرام. وفي حديث جابر منها الإشارة إلى أن الشفاء متوقف على الإصابة بإذن الله، وذلك أن الدواء قد يحصل معه مجاوزة الحد في الكيفية أو الكمية فلا ينجع، بل ربما أحدث داء آخر. وفي حديث ابن مسعود الإشارة إلى أن بعض الأدوية لا يعلمها كل أحد، وفيها كلها إثبات الأسباب، وأن ذلك لا ينافي التوكل على الله لمن اعتقد أنها بإذن الله وبتقديره، وأنها لا تنجح بذواتها بل بما قدره الله تعالى فيها، وأن الدواء قد ينقلب داء إذا قدر الله ذلك، وإليه الإشارة بقوله في حديث جابر " بإذن الله " فمدار ذلك كله على تقدير الله وإرادته. والتداوي لا ينافي التوكل كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش بالأكل والشرب، وكذلك تجنب المهلكات والدعاء بطلب العافية ودفع المضار وغير ذلك، وسيأتي مزيد لهذا البحث في " باب الرقية " إن شاء الله تعالى. ويدخل في عمومها أيضا الداء القاتل الذي اعترف حذاق الأطباء بأن لا دواء له، وأقروا بالعجز عن مداواته، ولعل الإشارة في حديث ابن مسعود بقوله " وجهله من جهله " إلى ذلك فتكون باقية على عمومها، ويحتمل أن يكون في الخبر حذف تقديره: لم ينزل داء يقبل الدواء إلا أنزل له شفاء، والأول أولى. ومما يدخل في قوله " جهله من جهله " ما يقع لبعض المرضى أنه يتداوى من داء بدواء فيبرأ ثم يعتريه ذلك الداء بعينه فيتداوى بذلك الدواء بعينه فلا ينجع، والسبب في ذلك الجهل بصفة من صفات الدواء فرب مرضين تشابها ويكون أحدهما مركبا لا ينجع فيه ما ينجع في الذي ليس مركبا فيقع الخطأ من هنا، وقد يكون متحدا لكن يريد الله أن لا ينجع فلا ينجع ومن هنا تخضع رقاب الأطباء، وقد أخرج ابن ماجه من طريق أبي خزامة وهو بمعجمة وزاي خفيفة " عن أبيه قال: قلت يا رسول الله أرأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به هل يرد من قدر الله شيئا؟ قال: هي من قدر الله تعالى " والحاصل أن حصول الشفاء بالدواء إنما هو كدفع الجوع بالأكل والعطش بالشرب، وهو ينجع في ذلك في الغالب، وقد يتخلف لمانع والله أعلم. ثم الداء والدواء كلاهما بفتح الدال وبالمد، وحكي كسر دال الدواء. واستثناء الموت في حديث أسامة بن شريك واضح، ولعل التقدير إلا داء الموت، أي المرض الذي قدر على صاحبه الموت. واستثناء الهرم في الرواية الأخرى إما لأنه جعله شبيها بالموت والجامع بينهما نقص الصحة، أو لقربه من الموت وإفضائه إليه. ويحتمل أن يكون الاستثناء منقطعا والتقدير: لكن الهرم لا دواء له، والله أعلم. *3* الشرح: قوله: (باب هل يداوي الرجل المرأة والمرأة الرجل) ذكر فيه حديث الربيع بالتشديد " كنا نغزو ونسقي القوم ونخدمهم ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة " وليس في هذا السياق تعرض للمداواة، إلا إن كان يدخل في عموم قولها " نخدمهم " نعم ورد الحديث المذكور بلفظ " ونداوي الجرحى ونرد القتلى " وقد تقدم كذلك في " باب مداواة النساء الجرحى في الغزو " من كتاب الجهاد، فجرى البخاري على عادته في الإشارة إلى ما ورد في بعض ألفاظ الحديث، ويؤخذ حكم مداواة الرجل المرأة منه بالقياس. وإنما لم يجزم بالحكم لاحتمال أن يكون ذلك قبل الحجاب، أو كانت المرأة تصنع ذلك بمن يكون زوجا لها أو محرما. وأما حكم المسألة فتجور مداواة الأجانب عند الضرورة وتقدر بقدرها فيما يتعلق بالنظر والجس باليد وغير ذلك، وقد تقدم البحث في شيء من ذلك في كتاب الجهاد. الشرح: قوله: (باب الشفاء في ثلاث) سقطت الترجمة للنسفي، ولفظ " باب " للسرخسي. الحديث: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ شُجَاعٍ حَدَّثَنَا سَالِمٌ الْأَفْطَسُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ الشِّفَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ شَرْبَةِ عَسَلٍ وَشَرْطَةِ مِحْجَمٍ وَكَيَّةِ نَارٍ وَأَنْهَى أُمَّتِي عَنْ الْكَيِّ رَفَعَ الْحَدِيثَ وَرَوَاهُ الْقُمِّيُّ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَسَلِ وَالْحَجْمِ الشرح: قوله: (حدثني الحسين) كذا لهم غير منسوب، وجزم جماعة بأنه ابن محمد بن زياد النيسابوري المعروف بالقباني، قال الكلاباذي: كان يلازم البخاري لما كان بنيسابور وكان عنده مسند أحمد بن منيع سمعه منه يعني شيخه في هذا الحديث، وقد ذكر الحاكم في تاريخه من طريق الحسين المذكور أنه روى حديثا فقال: كتب عني محمد بن إسماعيل هذا الحديث. ورأيت في كتاب بعض الطلبة قد سمعه منه عني ا ه. وقد عاش الحسين القباني بعد البخاري ثلاثا وثلاثين سنة وكان من أقران مسلم، فرواية البخاري عنه من رواية الأكابر عن الأصاغر. وأحمد بن منيع شيخ الحسين فيه من الطبقة الوسطى من شيوخ البخاري، فلو رواه عنه بلا واسطة لم يكن عاليا له. وكانت وفاة أحمد بن منيع - وكنيته أبو جعفر - سنة أربع وأربعين ومائتين وله أربع وثمانون سنة، واسم جده عبد الرحمن وهو جد أبي القاسم البغوي لأمه، ولذلك يقال له المنيعي وابن بنت منيع، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث، وجزم الحاكم بأن الحسين المذكور هو ابن يحيى بن جعفر البيكندي وقد أكثر البخاري الرواية عن أبيه يحيى بن جعفر وهو من صغار شيوخه، والحسين أصغر من البخاري بكثير، وليس في البخاري عن الحسين سواء كان القباني أو البيكندي سوى هذا الحديث. وقول البخاري بعد ذلك " حدثنا محمد بن عبد الرحيم " هو المعروف بصاعقة يكني أبا يحيى وكان من كبار الحفاظ وهو من أصاغر شيوخ البخاري ومات قبل البخاري بسنة واحدة وسريج بن يونس شيخه بمهملة ثم جيم من طبقة أحمد بن منيع ومات قبله بعشر سنين، وشيخهما مروان بن شجاع هو الحراني أبو عمرو، وأبو عبد الله مولى محمد بن مروان بن الحكم نزل بغداد وقواه أحمد بن حنبل وغيره. وقال أبو حاتم الرازي: يكتب حديثه وليس بالقوي، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر تقدم في الشهادات، ولم يتفق وقوع هذا الحديث للبخاري عاليا، فإنه قد سمع من أصحاب مروان بن شجاع هذا ولم يقع له هذا الحديث عنه إلا بواسطتين، وشيخه سالم الأفطس هو ابن عجلان وما له في البخاري سوى الحديثين المذكورين من رواية مروان بن شجاع عنه. قوله: (حدثني سالم الأفطس) وفي الرواية الثانية عن سالم وقع عند الإسماعيلي " عن المنيعي حدثنا جدي هو أحمد بن منيع حدثنا مروان بن شجاع قال ما أحفظه إلا عن سالم الأفطس حدثني " فذكره، قال الإسماعيلي: صار الحديث عن مروان بن شجاع بالشك منه فيمن حدثه به. قلت: وكذا أخرجه أحمد بن حنبل عن مروان بن شجاع سواء، وأخرجه ابن ماجه عن أحمد بن منيع مثل رواية البخاري الأولى بغير شك، وكذا أخرجه الإسماعيلي أيضا عن القاسم بن زكريا عن أحمد بن منيع، وكذا رويناه في " فوائد أبي طاهر المخلص " حدثنا محمد بن يحيى بن صاعد حدثنا أحمد بن منيع. قوله: (عن سعيد بن جبير) وقع في " مسند دعلج " من طريق محمد بن الصباح " حدثنا مروان بن شجاع عن سالم الأفطس أظنه عن سعيد بن جبير " كذا بالشك أيضا، وكان ينبغي للإسماعيلي أن يعترض بهذا أيضا، والحق أنه لا أثر للشك المذكور، والحديث متصل بلا ريب. قوله: (عن ابن عباس قال: الشفاء في ثلاث) كذا أورده موقوفا، لكن آخره يشعر بأنه مرفوع لقوله " وأنهى أمتي عن الكي " وقوله " رفع الحديث " وقد صرح برفعه في رواية سريج بن يونس حيث قال فيه " عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم " ولعل هذا هو السر في إيراد هذه الطريق أيضا مع نزولها، وإنما لم يكتف بها عن الأولى للتصريح في الأولى بقول مروان " حدثني سالم " ووقعت في الثانية بالعنعنة. قوله: (رواه القمي) بضم القاف وتشديد الميم هو يعقوب بن عبد الله بن سعد بن مالك بن هانئ بن عامر بن أبي عامر الأشعري، لجده أبي عامر صحبة وكنية يعقوب أبو الحسن وهو من أهل قم ونزل الري، قواه النسائي وقال الدار قطني ليس بالقوي، وما له في البخاري سوى هذا الموضع. وليث شيخه هو ابن سليم الكوفي سيئ الحفظ. وقد وقع لنا هذا الحديث من رواية القمي موصولا في " مسند البزار " وفي " الغيلانيات " في " جزء ابن بخيت " كلهم من رواية عبد العزيز بن الخطاب عنه بهذا السند، وقصر بعض الشراح فنسبه إلى تخريج أبي نعيم في الطب، والذي عند أبي نعيم بهذا السند حديث آخر في الحجامة لفظه " احتجموا لا يتبيغ بكم الدم فيقتلكم". قوله: (في العسل والحجم) في رواية الكشميهني " والحجامة " ووقع في رواية عبد العزيز بن الخطاب المذكورة " إن كان في شيء من أدويتكم شفاء ففي مصة من الحجام، أو مصة من العسل " وإلى هذا أشار البخاري بقوله " في العسل والحجم " وأشار بذلك إلى أن الكي لم يقع في هذه الرواية. وأغرب الحميدي في " الجمع " فقال في أفراد البخاري: الحديث الخامس عشر عن طاوس عن ابن عباس من رواية مجاهد عنه، قال: وبعض الرواة يقول فيه عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم " في العسل والحجم الشفاء " وهذا الذي عزاه للبخاري لم أره فيه أصلا، بل ولا في غيره، والحديث الذي اختلف الرواة فيه هل هو عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس أو عن مجاهد عن ابن عباس بلا واسطة إنما هو في القبرين اللذين كانا يعذبان، وقد تقم التنبيه عليه في كتاب الطهارة، وأما حديث الباب فلم أره من رواية طاوس أصلا، وأما مجاهد فلم يذكره البخاري عنه إلا تعليقا كما بينته، وقد ذكرت من وصله، وسياق لفظه: قال الخطابي انتظم هذا الحديث على جملة ما يتداوى به الناس، وذلك أن الحجم يستفرغ الدم وهو أعظم الأخلاط، والحجم أنجحها شفاء عند هيجان الدم، وأما العسل فهو مسهل للأخلاط البلغمية، ويدخل في المعجونات ليحفظ على تلك الأدوية قواها ويخرجها من البدن، وأما الكي فإنما يستعمل في الخلط الباغي الذي لا تنحسم مادته إلا به، ولهذا وصفه النبي صلى الله عليه وسلم ثم نهى عنه، وإنما كرهه لما فيه من الألم الشديد والخطر العظيم، ولهذا كانت العرب تقول في أمثالها " آخر الدواء الكي"، وقد كوى النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ وغيره، واكتوى غير واحد من الصحابة. قلت: ولم يرد النبي صلى الله عليه وسلم الحصر في الثلاثة، فإن الشفاء قد يكون في غيرها، وإنما نبه بها على أصول العلاج، وذلك أن الأمراض الامتلائية تكون دموية وصفراوية وبلغمية وسوداوية، وشفاء الدموية بإخراج الدم، وإنما خص الحجم بالذكر لكثرة استعمال العرب والفهم له، بخلاف الفصد فإنه وإن كان في معنى الحجم لكنه لم يكن معهودا لها غالبا. على أن في التعبير بقوله " شرطة محجم " ما قد يتناول الفصد، وأيضا فالحجم في البلاد الحارة أنجح من الفصد، والفصد في البلاد التي ليست بحارة أنجح من الحجم. وأما الامتلاء الصفراوي وما ذكر معه فدواؤه بالمسهل، وقد نبه عليه بذكر العسل، وسيأتي توجيه ذلك في الباب الذي بعده. وأما الكي فإنه يقع آخرا لإخراج ما يتعسر إخراجه من الفضلات؛ وإنما نهى عنه مع إثباته الشفاء فيه إما لكونهم كانوا يرون أنه يحسم المادة بطبعه فكرهه لذلك، ولذلك كانوا يبادرون إليه قبل حصول الداء لظنهم أنه يحسم الداء فتعجل الذي يكتوي التعذيب بالنار لأمر مظنون، وقد لا يتفق أن يقع له ذلك المرض الذي يقطعه الكي. ويؤخذ من الجمع بين كراهته صلى الله عليه وسلم للكي وبين استعماله له أنه لا يترك مطلقا ولا يستعمل مطلقا، بل يستعمل عند تعينه طريقا إلى الشفاء مع مصاحبة اعتقاد أن الشفاء بإذن الله تعالى، وعلى هذا التفسير يحمل حديث المغيرة رفعه " من اكتوى أو استرقى فقد برئ من التوكل " أخرجه الترمذي والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم. وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: علم من مجموع كلامه في الكي أن فيه نفعا وأن فيه مضرة، فلما نهى عنه علم أن جانب المضرة فيه أغلب، وقريب منه إخبار الله تعالى أن في الخمر منافع ثم حرمها لأن المضار التي فيها أعظم من المنافع. انتهى ملخصا. وسيأتي الكلام على كل من هذه الأمور الثلاثة في أبواب مفرده لها. وقد قيل إن المراد بالشفاء في هذا الحديث الشفاء من أحد قسمي المرض، لأن الأمراض كلها إما مادية أو غيرها؛ والمادية كما تقدم حارة وباردة، وكل منهما وإن انقسم إلى رطبة ويابسة ومركبة فالأصل الحرارة والبرودة وما عداهما ينفعل من إحداهما، فنبه بالخبر على أصل المعالجة بضرب من المثال، فالحارة تعالج بإخراج الدم لما فيه من استفراغ المادة وتبريد المزاج، والباردة بتناول العسل لما فيه من التسخين والإنضاج والتقطيع والتلطيف والجلاء والتليين، فيحصل بذلك استفراغ المادة برفق، وأما الكي فخاص بالمرض المزمن لأنه يكون عن مادة باردة فقد تفسد مزاج العضو فإذا كوي خرجت منه، وأما الأمراض التي ليست بمادية فقد أشير إلى علاجها بحديث " الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء " وسيأتي الكلام عليه عند شرحه إن شاء الله تعالى. وأما قوله " وما أحب أن أكتوي " فهو من جنس تركه أكل الضب مع تقريره أكله على مائدته واعتذاره بأنه يعافه. *3* الشرح: قوله: (باب الدواء بالعسل، وقول الله تعالى: فيه شفاء للناس) كأنه أشار بذكر الآية إلى أن الضمير فيها للعسل وهو قول الجمهور، وزعم بعض أهل التفسير أنه للقرآن. وذكر ابن بطال أن بعضهم قال: إن قوله تعالى والعسل يذكر ويؤنث، وأسماؤه تزيد على المائة، وفيه من المنافع ما لخصه الموفق البغدادي وغيره فقالوا: يجلو الأوساخ التي في العروق والأمعاء، ويدفع الفضلات، ويغسل خمل المعدة، ويسخنها تسخينا معتدلا، ويفتح أفواه العروق ويشد المعدة والكبد والكلى والمثانة والمنافذ، وفيه تحليل للرطوبات أكلا وطلاء وتغذية، وفيه حفظ المعجونات وإذهاب لكيفية الأدوية المستكرهة، وتنقية الكبد والصدر، وإدرار البول والطمث، ونفع للسعال الكائن من البلغم، ونفع لأصحاب البلغم والأمزجة الباردة. وإذا أضيف إليه الخل نقع أصحاب الصفراء. ثم هو غذاء من الأغذية، ودواء من الأدوية، وشراب من الأشربة، وحلوى من الحلاوات، وطلاء من الأطلية، ومفرح من المفرحات. ومن منافعه أنه إذا شرب حارا بدهن الورد نفع من نهش الحيوان، وإذا شرب وحده بماء نفع من عضة الكلب الكلب، وإذا جعل فيه اللحم الطري حفظ طراوته ثلاثة أشهر، وكذلك الخيار والقرع والباذنجان والليمون ونحو ذلك من الفواكه، وإذا لطخ به البدن للقمل قتل القمل والصئبان، وطول الشعر وحسنه ونعمه، وإن اكتحل به جلا ظلمة البصر، وإن استن به صقل الأسنان وحفظ صحتها. وهو عجيب في حفظ جثث الموتى فلا يسرع إليها البلى، وهو مع ذلك مأمون الغائلة قليل المضرة، ولم يكن يعول قدماء الأطباء في الأدوية المركبة إلا عليه، ولا ذكر للسكر في أكثر كتبهم أصلا. وقد أخرج أبو نعيم في " الطب النبوي " بسند ضعيف من حديث أبي هريرة رفعه وابن ماجه بسند ضعيف من حديث جابر رفعه " من لعق العسل ثلاث غدوات في كل شهر لم يصبه عظيم بلاء " والله أعلم. الحديث: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الْحَلْوَاءُ وَالْعَسَلُ الشرح: حديث عائشة " كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الحلواء والعسل " قال الكرماني: الإعجاب أعم من أن يكون على سبيل الدواء أو الغذاء. فتؤخذ المناسبة بهذه الطريق، وقد تقدم باقي الكلام عليه في كتاب الأطعمة. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْغَسِيلِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ أَوْ يَكُونُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ تُوَافِقُ الدَّاءَ وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ الشرح: قوله: (عبد الرحمن ابن الغسيل) اسم الغسيل حنظلة بن أبي عامر الأوسي الأنصاري، استشهد بأحد وهو جنب فغسلته الملائكة فقيل له الغسيل، وهو فعيل بمعنى مفعول، وهو جد جد عبد الرحمن، فهو ابن سليمان بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حنظلة، وعبد الرحمن معدود في صغار التابعين لأنه رأى أنسا وسهل بن سعد، وجل روايته عن التابعين، وهو ثقة عند الأكثر واختلف فيه قول النسائي. وقال ابن حبان: كان يخطئ كثيرا ا ه. وكان قد عمر فجاز المائة فلعله تغير حفظه في الآخر وقد احتج به الشيخان، وشيخه عاصم بن عمر بن قتادة أي ابن النعمان الأنصاري الأوسي يكنى أبا عمر ما له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر تقدم في " باب من بنى مسجدا " في أوائل الصلاة، وهو تابعي ثقة عندهم، وأغرب عبد الحق فقال في " الأحكام ": وثقة ابن معين وأبو زرعة وضعفه غيرهما. ورد ذلك أبو الحسن بن القطان على عبد الحق فقال: لا أعرف أحدا ضعفه ولا ذكره في الضعفاء ا ه. وهو كما قال. قوله: (إن كان في شيء من أدويتكم أو يكون في شيء من أدويتكم) كذا وقع بالشك، وكذا لأحمد عن أبي أحمد الزبيري عن ابن الغسيل، وسيأتي بعد أبواب باللفظ الأول بغير شك، وكذا لمسلم، وذكرت فيه في " باب الحجامة من الداء " قصة، وقوله "أو يكون " قال ابن التين صوابه " أو يكن " لأنه معطوف على مجزوم فيكون مجزوما. قلت: وقد وقع في رواية أحمد " إن كان أو إن يكن " فلعل الراوي أشبع الضمة فظن السامع أن فيها واوا فأثبتها، ويحتمل أن يكون التقدير: إن كان في شيء أو إن كان يكون في شيء، فيكون التردد لإثبات لفظ يكون وعدمها، وقرأها بعضهم بتشديد الواو وسكون النون، وليس ذلك بمحفوظ. قوله: (ففي شرطة محجم) بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الجيم. قوله: (أو لذعة بنار) بذال معجمة ساكنة وعين مهملة، اللذع هو الخفيف من حرق النار. وأما اللدغ بالدال المهملة والغين المعجمة فهو ضرب أو عض ذات السم. قوله: (توافق الداء) فيه إشارة إلى أن الكي إنما يشرع منه ما يتعين طريقا إلى إزالة ذلك الداء، وأنه لا ينبغي التجربة لذلك ولا استعماله إلا بعد التحقق، ويحتمل أن يكون المراد بالموافقة موافقة القدر. قوله: (وما أحب أن أكتوي) سيأتي بيانه بعد أبواب. الحديث: حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَخِي يَشْتَكِي بَطْنَهُ فَقَالَ اسْقِهِ عَسَلاً ثُمَّ أَتَى الثَّانِيَةَ فَقَالَ اسْقِهِ عَسَلاً ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ اسْقِهِ عَسَلاً ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ قَدْ فَعَلْتُ فَقَالَ صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ اسْقِهِ عَسَلاً فَسَقَاهُ فَبَرَأَ الشرح: حديث أبي سعيد في الذي اشتكى بطنه فأمر بشرب العسل، وسيأتي شرحه في " باب دواء المبطون". وشيخه عباس فيه هو بالموحدة ثم مهملة النرسي بنون ومهملة، وعبد الأعلى شيخه هو ابن عبد الأعلى، وسعيد هو ابن أبي عروبة، والإسناد كله بصريون. *3* الشرح: قوله: (باب الدواء بألبان الإبل) أي في المرض الملائم له. الحديث: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا سَلَّامُ بْنُ مِسْكِينٍ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ نَاساً كَانَ بِهِمْ سَقَمٌ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ آوِنَا وَأَطْعِمْنَا فَلَمَّا صَحُّوا قَالُوا إِنَّ الْمَدِينَةَ وَخِمَةٌ فَأَنْزَلَهُمْ الْحَرَّةَ فِي ذَوْدٍ لَهُ فَقَالَ اشْرَبُوا أَلْبَانَهَا فَلَمَّا صَحُّوا قَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَاقُوا ذَوْدَهُ فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ مِنْهُمْ يَكْدِمُ الْأَرْضَ بِلِسَانِهِ حَتَّى يَمُوتَ قَالَ سَلَّامٌ فَبَلَغَنِي أَنَّ الْحَجَّاجَ قَالَ لِأَنَسٍ حَدِّثْنِي بِأَشَدِّ عُقُوبَةٍ عَاقَبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثَهُ بِهَذَا فَبَلَغَ الْحَسَنَ فَقَالَ وَدِدْتُ أَنَّهُ لَمْ يُحَدِّثْهُ بِهَذَا الشرح: قوله: (سلام بن مسكين) هو الأزدي، وهو بالتشديد، وما له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر سيأتي في كتاب الأدب. ووقع في اللباس عن موسى بن إسماعيل " حدثنا سلام عن عثمان بن عبد الله " فزعم الكلاباذي أنه سلام بن مسكين، وليس كذلك بل هو سلام بن أبي مطيع، وسأذكر الحجة لذلك هناك إن شاء الله تعالى. قوله: (حدثنا ثابت) هو البناني، ووقع للإسماعيلي من رواية بهز بن أسد " عن سلام بن مسكين قال حدث ثابت الحسن وأصحابه وأنا شاهد منهم " فيؤخذ من ذلك أنه لا يشترط في قول الراوي حدثنا فلان أن يكون فلان قد قصد إليه بالتحديث، بل إن سمع منه اتفاقا جاز أن يقول حدثنا فلان، ورجال هذا الإسناد أيضا كلهم بصريون. قوله: (أن ناسا) زاد بهز في روايته " من أهل الحجاز " وقد تقدم في الطهارة أنهم من عكل أو عرينة بالشك، وثبت أنهم كانوا ثمانية وأن أربعة منهم كانوا من عكل وثلاثة من عرينة والرابع كان تبعا لهم. قوله: (كان بهم سقم فقالوا: يا رسول الله آونا وأطعمنا، فلما صحوا) في السياق حذف تقديره فآواهم وأطعمهم، فلما صحوا قالوا إن المدينة وخمة، وكان السقم الذي بهم أولا من الجوع أو من التعب فلما زال ذلك عنهم خشوا من وخم المدينة إما لكونهم أهل ريف فلم يعتادوا بالحضر، وإما بسبب ما كان بالمدينة من الحمى، وهذا هو المراد بقوله في الرواية التي بعدها " اجتووا المدينة " وتقدم تفسير الجوى في كتاب الطهارة. ووقع في رواية بهز بن أسد " بهم ضر وجهد " وهو يشير إلى ما قلناه. قوله: (في ذود له) ذكر ابن سعد أن عدد الذود كان خمس عشرة. وفي رواية بهز بن أسد: أن الذود كان مع الراعي بجانب الحرة. قوله: (فقال اشربوا ألبانها) كذا هنا، وتقدم من رواية أبي قلابة وغيره عن أنس " من ألبانها وأبوالها". قوله: (فلما صحوا) في السياق حذف تقديره: فخرجوا فشربوا فلما صحوا. قوله: (وسمر أعينهم) كذا للأكثر، وللكشميهني باللام بدل الراء، وقد تقدم شرحها. قوله: (فرأيت الرجل منهم يكدم الأرض بلسانه حتى يموت) زاد بهز في روايته " مما يجد من الغم والوجع " وفي صحيح أبي عوانة هنا يعض الأرض ليجد بردها مما يجد من الحر والشدة". قوله: (قال سلام) هو موصول بالسند المذكور، وقوله "فبلغني أن الحجاج " هو ابن يوسف الأمير المشهور. وفي رواية أنس " فذكر ذلك قوم للحجاج فبعث إلى أنس فقال: هذا خاتمي فليكن بيدك - أي يصير خازنا له - فقال أنس: إني أعجز عن ذلك. قال فحدثني بأشد عقوبة " الحديث. قوله: (بأشد عقوبة عاقبه النبي صلى الله عليه وسلم) كذا بالتذكير على إرادة العقاب. وفي رواية بهز " عاقبها " على ظاهر اللفظ. قوله: (فبلغ الحسن) هو ابن أبي الحسن البصري (فقال: وددت أنه لم يحدثه) زاد الكشميهني " بهذا " وفي رواية بهز " فوالله ما انتهى الحجاج حتى قام بها على المنبر فقال: حدثنا أنس " فذكره وقال " قطع النبي صلى الله عليه وسلم الأيدي والأرجل وسمل الأعين في معصية الله، أفلا نفعل نحن ذلك في معصية الله "؟ وساق الإسماعيلي من وجه آخر عن ثابت " حدثني أنس قال: ما ندمت على شيء ما ندمت على حديث حدثت به الحجاج " فذكره، وإنما ندم أنس على ذلك لأن الحجاج كان مسرفا في العقوبة، وكان يتعلق بأدنى شبهة. ولا حجة له في قصة العرنيين لأنه وقع التصريح في بعض طرقه أنهم ارتدوا، وكان ذلك أيضا قبل أن تنزل الحدود كما في الذي بعده، وقبل النهي عن المثلة كما تقدم في المغازي، وقد حضر أبو هريرة الأمر بالتعذيب بالنار ثم حضر نسخه والنهي عن التعذيب بالنار كما مر في كتاب الجهاد، وكان إسلام أبي هريرة متأخرا عن قصة العرنيين، وقد تقدم بسط القول في ذلك في " باب الإبل والدواب " في كتاب الطهارة، وإنما أشرت إلى اليسير منه لبعد العهد به. *3* الشرح: قوله: (باب الدواء بأبوال الإبل) ذكر فيه حديث العرنيين، ووقع في خصوص التداوي بأبوال الإبل حديث أخرجه ابن المنذر عن ابن عباس رفعه " عليكم بأبوال الإبل فإنها نافعة للذربة بطونهم " والذربة بفتح المعجمة وكسر الراء جمع ذرب، والذرب بفتحتين فساد المعدة. الحديث: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ نَاساً اجْتَوَوْا فِي الْمَدِينَةِ فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَلْحَقُوا بِرَاعِيهِ يَعْنِي الْإِبِلَ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا فَلَحِقُوا بِرَاعِيهِ فَشَرِبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا حَتَّى صَلَحَتْ أَبْدَانُهُمْ فَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَسَاقُوا الْإِبِلَ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ فِي طَلَبِهِمْ فَجِيءَ بِهِمْ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ قَالَ قَتَادَةُ فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْحُدُودُ الشرح: قوله: (أن ناسا اجتووا في المدينة) كذا هنا بإثبات " في " وهي ظرفية أي حصل لهم الجوى وهم في المدينة، ووقع في رواية أبي قلابة عن أنس " اجتووا المدينة". قوله: (أن يلحقوا براعيه يعني الإبل) كذا في الأصل. وفي رواية مسلم من هذا الوجه أن يلحقوا براعي الإبل". قوله: (حتى صلحت) في رواية الكشميهني " صحت". قوله: (قال قتادة) هو موصول بالإسناد المذكور، وقوله "فحدثني محمد بن سيرين الخ " يعكر عليه ما أخرجه مسلم من طريق سليمان التيمي عن أنس قال " إنما سملهم النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم سملوا أعين الرعاة " وسيأتي بيان ذلك واضحا في كتاب الديات إن شاء الله تعالى. *3* الشرح: قوله: (باب الحبة السوداء) سيأتي بيان المراد بها في آخر الباب. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ خَرَجْنَا وَمَعَنَا غَالِبُ بْنُ أَبْجَرَ فَمَرِضَ فِي الطَّرِيقِ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَهُوَ مَرِيضٌ فَعَادَهُ ابْنُ أَبِي عَتِيقٍ فَقَالَ لَنَا عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الْحُبَيْبَةِ السَّوْدَاءِ فَخُذُوا مِنْهَا خَمْساً أَوْ سَبْعاً فَاسْحَقُوهَا ثُمَّ اقْطُرُوهَا فِي أَنْفِهِ بِقَطَرَاتِ زَيْتٍ فِي هَذَا الْجَانِبِ وَفِي هَذَا الْجَانِبِ فَإِنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْنِي أَنَّهَا سَمِعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ هَذِهِ الْحَبَّةَ السَّوْدَاءَ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلَّا مِنْ السَّامِ قُلْتُ وَمَا السَّامُ قَالَ الْمَوْتُ الشرح: قوله: (حدثني عبد الله بن أبي شيبة) كذا سماه ونسبه لجده وهو أبو بكر، مشهور بكنيته أكثر من اسمه " وأبو شيبة جده، وهو ابن محمد بن إبراهيم، وكان إبراهيم أبو شيبة قاضي واسط. قوله: (حدثنا عبيد الله) بالتصغير كذا للجميع غير منسوب، وكذا أخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبيد الله غير منسوب، وجزم أبو نعيم في " المستخرج " بأنه عبيد الله بن موسى، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق أبي بكر الأعين والخطيب في كتاب " رواية الآباء عن الأبناء " من طريق أبي مسعود الرازي، وهو عندنا بعلو من طريقه، وأخرجه أيضا أحمد بن حازم عن أبي غرزة - بفتح المعجمة والراء والزاي - في مسنده، ومن طريقه الخطيب أيضا كلهم عن عبيد الله بن موسى، وهو الكوفي المشهور، ورجال الإسناد كلهم كوفيون، وعبيد الله بن موسى من كبار شيوخ البخاري، وربما حدث عنه بواسطة كالذي هنا. قوله: (عن منصور) هو ابن المعتمر. قوله: (عن خالد بن سعد) هو مولى أبي مسعود البدري الأنصاري، وما له في البخاري سوى هذا الحديث، وقد أخرجه المنجنيقي في كتاب رواية الأكابر عن الأصاغر عن عبيد الله بن موسى بهذا الإسناد فأدخل بين منصور وخالد بن سعد مجاهدا، وتعقبه الخطيب بعد أن أخرجه من طريق المنجنيقي بأن ذكر مجاهد فيه وهم. ووقع في رواية المنجنيقي أيضا " خالد بن سعيد " بزيادة ياء في اسم أبيه، وهو وهم نبه عليه الخطيب أيضا. قوله: (ومعنا غالب بن أبجر) بموحدة وجيم وزن أحمد، يقال إنه الصحابي الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الحمر الأهلية. وحديثه عند أبي داود. قوله: (فعاده ابن أبي عتيق) في رواية أبي بكر الأعين " فعاده أبو بكر بن أبي عتيق " وكذا قال سائر أصحاب عبد الله بن موسى إلا المنجنيقي فقال في روايته " عن خالد بن سعد عن غالب بن أبجر عن أبي بكر الصديق عن عائشة " واختصر القصة، وبسياقها يتبين الصواب، قال الخطيب: وقوله في السند " عن غالب بن أبحر " وهم فليس لغالب فيه رواية، وإنما سمعه خالد مع غالب من أبي بكر بن أبي عتيق، قال وأبو بكر بن أبي عتيق هذا هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وأبو عتيق كنية أبيه محمد بن عبد الرحمن، وهو معدود في الصحابة لكونه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأبوه وجده وجد أبيه صحابة مشهورون. قوله: (عليكم بهذه الحبيبة السويداء) كذا هنا بالتصغير فيهما إلا الكشميهني فقال " السوداء " وهي رواية الأكثر ممن قدمت ذكره أنه أخرج الحديث. قوله: (فإن عائشة حدثتني أن هذه الحبة السوداء شفاء) وللكشميهني " أن في هذه الحبة شفاء " كذا للأكثر. وفي رواية الأعين " هذه الحبة السوداء التي تكون في الملح " وكان هذا قد أشكل علي، ثم ظهر لي أنه يريد الكمون وكانت عادتهم جرت أن يخلط بالملح. قوله: (إلا من السام) بالمهملة بغير همز، ولابن ماجه " إلا أن يكون الموت"، وفي هذا أن الموت داء من جملة الأدواء، قال الشاعر " وداء الموت ليس له دواء " وقد تقدم توجيه إطلاق الداء على الموت في الباب الأول. قوله: (قلت وما السام؟ قال: الموت) لم أعرف اسم السائل ولا القائل، وأظن السائل خالد بن سعد والمجيب ابن أبي عتيق. وهذا الذي أشار إليه ابن أبي عتيق ذكره الأطباء في علاج الزكام العارض منه عطاس كثير وقالوا: تقلى الحبة السوداء ثم تدق ناعما ثم تنقع في زيت ثم يقطر منه في الأنف ثلاث قطرات، فلعل غالب بن أبجر كان مزكوما فلذلك وصف له ابن أبي عتيق الصفة المذكورة، وظاهر سياقه أنها موقوفة عليه، ويحتمل أن تكون عنده مرفوعة أيضا، فقد وقع في رواية الأعين عند الإسماعيلي بعد قوله من كل داء " وأقطروا عليها شيئا من الزيت " وفي رواية له أخرى " وربما قال وأقطروا الخ " وادعى الإسماعيلي أن هذه الزيادة مدرجة في الخبر، وقد أوضحت ذلك رواية ابن أبي شيبة؛ ثم وجدتها مرفوعة من حديث بريدة فأخرج المستغفري في " كتاب الطب " من طريق حسام بن مصك عن عبيد الله بن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم " إن الحبة السوداء فيها شفاء " الحديث، قال وفي لفظ " قيل: وما الحبة السوداء؟ قال: الشونيز قال: وكيف أصنع بها؟ قال: تأخذ إحدى وعشرين حبة فتصرها في خرقة ثم تضعها في ماء ليلة، فإذا أصبحت قطرت في المنخر الأيمن واحدة وفي الأيسر اثنتين، فإذا كان من الغد قطرت في المنخر الأيمن اثنتين وفي الأيسر واحدة، فإذا كان اليوم الثالث قطرت في الأيمن واحدة وفي الأيسر اثنتين " ويؤخذ من ذلك أن معنى كون الحبة شفاء من كل داء أنها لا تستعمل في كل داء صرفا بل ربما استعملت مفردة، وربما استعملت مركبة، وربما استعملت مسحوقة وغير مسحوقة، وربما استعملت أكلا وشربا وسعوطا وضمادا وغير ذلك. وقيل أن قوله " كل داء " تقديره يقبل العلاج بها، فإنها تنفع من الأمراض الباردة، وأما الحارة فلا. نعم قد تدخل في بعض الأمراض الحارة اليابسة بالعرض فتوصل قوى الأدوية الرطبة الباردة إليها بسرعة تنفيذها، ويستعمل الحار في بعض الأمراض الحارة لخاصية فيه لا يستنكر كالعنزروت فإنه حار ويستعمل في أدوية الرمد المركبة، مع أن الرمد ورم حار باتفاق الأطباء، وقد قال أهل العلم بالطب: إن طبع الحبة السوداء حار يابس، وهي مذهبة للنفخ، نافعة من حمى الربع والبلغم، مفتحة للسدد والريح، مجففة لبلة المعدة، وإذا دقت وعجنت بالعسل وشربت بالماء الحار أذابت الحصاة وأدرت البول والطمث، وفيها جلاء وتقطيع، وإذا دقت وربطت بخرقة من كتان وأديم شمها نفع من الزكام البارد، وإذا نقع منها سبع حبات في لبن امرأة وسعط به صاحب اليرقان أفاده، وإذا شرب منها وزن مثقال بماء أفاد من ضيق النفس، والضماد بها ينفع من الصداع البارد، وإذا طبخت بخل وتمضمض بها نفعت من وجع الأسنان الكائن عن برد، وقد ذكر ابن البيطار وغيره ممن صنف في المفردات في منافعها هذا الذي ذكرته وأكثر منه. وقال الخطابي: قوله " من كل داء " هو من العام الذي يراد به الخاص، لأنه ليس في طبع شيء من النبات ما يجمع جميع الأمور التي تقابل الطبائع في معالجة الأدواء بمقابلها، وإنما المراد أنها شفاء من كل داء يحدث من الرطوبة. وقال أبو بكر بن العربي: العسل عند الأطباء أقرب إلى أن يكون دواء من كل داء من الحبة السوداء، ومع ذلك فإن من الأمراض ما لو شرب صاحبه العسل لتأذى به، فإن كان المراد بقوله في العسل " فيه شفاء للناس " الأكثر الأغلب فحمل الحبة السوداء على ذلك أولى. وقال غيره: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصف الدواء بحسب ما يشاهده من حال المريض، فلعل قوله في الحبة السوداء وافق مرض من مزاجه بارد، فيكون معني قوله " شفاء من كل داء " أي من هذا الجنس الذي وقع القول فيه، والتخصيص بالحيثية كثير شائع والله أعلم. وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: تكلم الناس في هذا الحديث وخصوا عمومه وردوه إلى قول أهل الطب والتجربة، ولا خفاء بغلط قائل ذلك، لأنا إذا صدقنا أهل الطب - ومدار علمهم غالبا إنما هو على التجربة التي بناؤها على ظن غالب - فتصديق من لا ينطق عن الهوى أولى بالقبول من كلامهم. انتهى وقد تقدم توجيه حمله على عمومه بأن يكون المراد بذلك ما هو أعم من الإفراد والتركيب، ولا محذور في ذلك ولا خروج عن ظاهر الحديث، والله أعلم. الحديث: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلَّا السَّامَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَالسَّامُ الْمَوْتُ وَالْحَبَّةُ السَّوْدَاءُ الشُّونِيزُ الشرح: قوله: (أخبرني أبو سلمة) هو ابن عبد الرحمن بن عوف. قوله: (وسعيد هو ابن المسيب) كذا في رواية عقيل، وأخرجه مسلم من وجهين اقتصر في كل منهما على واحد منهما، وأخرجه مسلم أيضا من رواية العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة بلفظ " ما من داء إلا وفي الحبة السوداء منه شفاء إلا السام". قوله: (والحبة السوداء الشونيز) كذا عطفه على تفسير ابن شهاب للسام، فاقتضى ذلك أن تفسير الحبة السوداء أيضا له. والشونيز بضم المعجمة وسكون الواو وكسر النون وسكون التحتانية بعدها زاي. وقال القرطبي: قيد بعض مشايخنا الشين بالفتح وحكى عياض عن ابن الأعرابي أنه كسرها فأبدل الواو ياء فقال الشينيز، وتفسير الحبة السوداء بالشونيز لشهوة الشونيز عندهم إذ ذاك، وأما الآن فالأمر بالعكس، والحبة السوداء أشهر عند أهل هذا العصر من الشونيز بكثير، وتفسيرها بالشونيز هو الأكثر الأشهر وهي الكمون الأسود ويقال له أيضا الكمون الهندي. ونقل إبراهيم الحربي في " غريب الحديث " عن الحسن البصري أنها الخردل، وحكى أبو عبيد الهروي في " الغريبين " أنها ثمرة البطم بضم الموحدة وسكون المهملة، واسم شجرتها الضرو بكسر المعجمة وسكون الراء. وقال الجوهري: هو صمغ شجرة تدعى الكمكام تجلب من اليمن، ورائحتها طيبة، وتستعمل في البخور. قلت: وليست المراد هنا جزما. وقال القرطبي: تفسيرها بالشونيز أولى من وجهين: أحدهما أنه قول الأكثر، والثاني كثرة منافعها بخلاف الخردل والبطم.
|